رأي المصري

المستشار ” عماد أبوهاشم ” يكتب من تركيا : باعتراف الإخوان : ثورة لا انقلاب

الجماعة العميقة أفصحت ـ مؤخرًا ـ عن تفاصيل الأيام الأخيرة لحكم الإخوان في مصر بتقريرٍ استهلته بالتأكيد على أن المؤسسة العسكرية مارست الخداع بالتقارير الأمنية التى رفعتها إلى مرسى قبيل مظاهرات الثلاثين من يونيه عام ألفين و ثلاثة عشر حيث عَمَدَتْ فيها إلى التأكيد على أن كل التوقعات أشارت إلى انخفاض الأعداد المُتوقَّع مشاركتها في تلك المظاهرات .

بعد خمسة أعوامٍ من تلك الأحداث قرر الإخوان ـ فجأةً ـ إخراج تفصيلاتها من عالم الغيب و الأسرار إلى عالم النور و الشهادة مُتذرِّعين لبلواهم بأنهم كانوا ضحية مؤامرةٍ خبيثةٍ استهدفت تضليلهم بمعلوماتٍ زائفةٍ تُقلِّصُ من حجم المظاهرات المُتوقعَة ذلك اليوم ، فاطمأنوا أيما اطمئنانٍ أنهم ماكثون في الحكم أبدًا ؛ لذلك جعلوا أصابعم في آذنهم و استغشَوا ثيابهم و أصروا واستكبروا استكبارا و ضربوا بمطالب قوى الشعب عرض الحائط ، لتفاجئهم ـ بعد ذلك ـ الحقيقةُ التي قالوا إنهم دُلِّسَ عليهم فيها بحشودٍ جرارةٍ من المتظاهرين الرافضين لحكمهم .

لقد أورد تقريرهم المنشور في موقع عربى 21 أنه : ” و طبقا لمسؤولين عملوا مع الرئيس محمد مرسي و تحدثوا لـ (عربي 21) فإن السيسي استخدم كل أجهزة الدولة العميقة لخداع الرئيس مرسي ، و هو الخداع الذي بدأ بالتقارير التي طلبها مرسي عن حركة تمرد و توقعات و تقديرات أجهزة المخابرات العامة و الأمن الوطني و الأمن العام عن مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 .

وطبقا للمصادر – التي فضلت عدم الكشف عن هويتها-  فإن المخابرات العامة حذرت في تقريرها من وجود شئ غير مفهوم في الشارع و لكنها قللت من خطورة المظاهرات ، بينما أكدت تقارير الأمن الوطني و الأمن العام أن المظاهرات لن تتجاوز 50 ألف علي أكثر تقدير و ربما يصل مجملها في كل المحافظات لـ 150 ألف  متظاهر . “ 

إن إقرارهم بأن المعلومات الزائفة التي أوصلتها إليهم يد   الاحتيال و الخداع  فى المؤسسة العسكرية المتآمرة عليهم ـ على حسب زعمهم ـ بتوقع ألا تُثمر الدعوة إلى التظاهر في ذلك اليوم إلا عن تظاهراتٍ محدودة العدد إذ وصم هذه المعلومات بالمغلوطة الزائفة  فإنه بذلك يفيد بمفهوم المخالفة إقرارهم بأن الحشود التي خرجت رفضًا لبقائهم في السلطة كانت حشودًا هائلةً على عكس ما توقعوا ، و على النقيض مما يروجون .

أرادوا أن يُثْبِتُوا أنهم كانوا ضحية التآمرعليهم ليتعاطف الناس معهم ، فكشفوا ـ من حيث لا يدرون ـ عن حقيقةٍ باتوا يخفونها طى الكتمان ألا و هى تقديرهم للحجم الحقيقىِّ للحشود الشعبية التي أسقطت حكمهم في ذلك اليوم المشهود ، و أنها لم تكن مظاهراتٍ عاديةً بل كانت ثورةً شعبيةً عبَّرت فيها حشود الشعب الغاضبة عليهم الكارهة لحكمهم عن رغبتها الأكيدة في الإطاحة بهم ، و كذلك ـ و هم لا يشعرون ـ فقد كشفوا عن وجه سياستهم القبيح في التعامل مع مطالب الشعب الذى أولاهم شرف الثقة فيهم حين ألمحوا إلى أنهم  لو كانوا  يتوقعون الحجم الحقيقى للغضب الشعبى المتأجج ضدهم لانصاعوا لإرادة الأمة ، أمَا و إنهم لم يدركوا ذلك أو دُلِّس عليهم ـ بحسب زعمهم ـ فقد استباحوا لأنفسهم أن يَتَحَدُّوا الإرادة الشعبية و أن يسخروا منها لاعتقادهم الواهم أنها أضعف من أن تُنْزِلَهُم عن عرش السلطة الذى ركبوه .

المدهش في الأمر أن ذات التقرير بعد أنْ أورد أنَّ الإخوان كانوا ضحية مؤامرةٍ خبيثةٍ استهدفت تضليلهم بمعلوماتٍ زائفةٍ تُقلِّصُ من حجم المظاهرات المُتوقعَة فى ذلك اليوم من خلال التقارير التي أدخلت المؤسسة العسكرية الخداع عليهم بواسطة تزوير الحقيقة فيها ـ عاد كاتبه ليقرر أنه “  خرج السيسي بمهلة 72 ساعة بعد فشل مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 في تحقيق الحشد المطلوب للانقلاب . ”  

فإذا كانت المعلومات التي أشارت إليها تلك التقارير زائفةً كما يدعون ، فهذا يعنى أنهم ـ بعكس ما جاء فيها من معلوماتٍ زائفةٍ ـ قد فُوجئوا بأن الحشود المتظاهرة لإسقاطهم  كانت بحجمٍ هائلٍ لم  يتوقعوه على الإطلاق ، ألا  يتناقض هذا مع ما ساقه التقرير ـ بعد ذلك ـ  من أن المظاهرات عجزت عن تحقيق الحشد المطلوب  ؟  إن هذا التناقض و التهاتر فضلًا عن أنه يُثْبِتُ كذب و تلفيق ادعاءاتهم فإنه يدلل على أن تلك الحشود كانت ثورةًً حقيقية  ، كما تشير العبارة المذكورة إلى أن المهلة التي يتحدث عنها التقرير كانت لإتاحة الفرصة أمامهم لعلهم إلى الحق يهتدون .      

لقد كنتُ واحدًا من الذين صَدَّقوا جماعة الرب حين شكك أتباعها في وصف تلك الحشود بأنها كانت ثورةً حقيقيةً ، و كيف لا أصَدِّقهم و هم أولياء الله و أحباؤه الذين اصطفاهم و فَضَّلهم على العالمين ؟ لكن إرادة الله أبت أن تدع أمثال هؤلاء يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا  ، فأشهدهم الله بألسنتِهم على أنفسِهم أنهم هم صانعو الكذب و أئمة الكاذبين ، حتى أصبحْتُ أسأل نفسى ، أى حديثٍ افتروه ـ من قبل ـ يحتمل الصدق ؟ فلا أجد إلا الكذب و التضليل .

لقد تذبذبوا في افترائهم على الحق من ادعاءٍ إلى ادعاء و من افتراءٍ إلى افتراء ، فبعد أن خاب سعيهم في ادعاء أن حشود ذلك اليوم كانت وهميةً و أن الصور التي التُقِطَتْ لها كانت صورًا أرشيفيةً تُسجِّل أحداث ثورة يناير لعجزهم عن إقناع الناس بذلك ـ ما لبثوا أن اعترفوا بحقيقة الحجم الحقيقى لتلك الحشود من خلال فِريةٍ أخرى يدَّعون فيها ـ دون بينةٍ أو دليلٍ ـ أن الجيش و الشرطة أمرا عناصرهما بالاندساس بين صفوف المتظاهرين ليظهر الحشد بذلك الحجم ، ولمَّا لم ينطلِ الأمر على الناس عكفوا على الترويج لفِريةٍ تلو أخرى ، و كلما خاب مسعاهم بحثوا عن المزيد من الافتراء و الكذب و التضليل ، و ما زالوا إلى الآن على الحق يفترون . 

ربما يخدعك الواحد منهم بزُخرف القول غروًا  فيقول لك إن المؤسسة العسكرية كان لها دورٌ في الإطاحة بهم في يونيه 2013 فقل له : إن المؤسسة العسكرية قد مارست ذات الدور في يناير 2011 ، فلماذا تعتبرون أن  الأولى   كانت ثورةً و أن الثانية انقلاب ؟ فإن قال لك : إن المؤسسة العسكرية انحازت إلى المحتشدين في التحرير دون القابعين في رابعة فقل له : إنها في ثورة يناير انحازت ـ أيضًا ـ إلى المحتشدين في التحرير دون أنصار نظام مبارك القابعين في ميدان مصطفى محمود ، و إن كنتُ لا أرى أيَّ دورٍ للمؤسسة العسكرية لا في الأولى و لا في  الثانية سوى الانحياز إلى الطرف الذى يُعَبِّرُ عن إرادة الأغلبية الساحقة لكافة طوائف الشعب بعد أن تتحقق من ذلك على وجه اليقين لتمنع القوى المتصارعة أن تقتتل على الأرض و تفتت كيان الدولة ، و أنه في المرتين كانت القوة الفاعلة الحقيقية للشعب لا للجيش ، فإن قال لك : إن المؤسسة العسكرية لم تستحوذ على السلطة بعد ثورة يناير في حين أنها فعلت ذلك فيما بعد فقل له : إنها لم تفعل ذلك إلا من خلال انتخاباتٍ و اقتراعٍ حر ، و إن هناك الكثير من الأمثلة لانقلاباتٍ وقعت لم يَنْفِ عنها وصفَ الانقلاب عُزوفُ قادتها العسكريين عن الترشح للحكم في البلدان التي وقعت فيها في حين أن هناك ثورات قامت في بلدانٍ أخرى أثمرت عن وصول نقرٍ من القادة العسكريين إلى سُدَّة الحكم دون أن ينفى ذلك عنها وصف الثورة ، و قل له أيضًا : إن ذلك الذى يدَّعى لا يصلح معيارًا للتفرقة بين الثورة والانقلاب .

هؤلاء الناس ـ من واقع احتكاكى بهم ـ بدائيو التفكير سطحيو الأفق ، أراد بهم ممولوهم أن تبقى عقولهم كالإسفنجة تتشرب كل ما يُسكَب فيها ، إنهم يفتقرون إلى المبادئ الواضحة و المفاهيم المحددة ، فليس لديهم المعايير المتعارف عليها في علوم السياسة و القانون للتفرقة و التمييز بين مدلولات المصطلحات التي يتداولونها كالعِلْكة ليل نهار ؛ لذلك تتشابه و تختلط الأمور عليهم ، حتى و إن عَرِفُوا فإنهم في النهاية سينصاعون إلى إرادة الممول القابع فيما وراء الطبيعة و لو كانت نقيض ما عرفوه  ، فعلى أىِّ أساسٍ شاركوا في ثورة يوليه عام 1952 و أسبغوا عليها و صف الثورة ثم ما لبثوا أن انقلبوا على أعقابهم فوصموها بالانقلاب عندما اختلفوا مع الرئيس عبد الناصر ؟ و بأىَ معيارٍ وصموا ثورة يونيه بأنها انقلابٌ رغم التطابق و التماثل بينها و بين ثورة يناير ، المعيار الوحيد لديهم هو تحقق مصالحهم الذاتية و التي تتطابق دائمًا و أبدًا مع مصلحة الممول .

الحقيقة أن تقرير الإخوان الأخير قدم الكثير من الحقائق التي كانت في مَعْزلٍ عن أبصارنا و بصائرنا ، فقد أورد فقرةً تم حذفها منه فيما بعد كان هذا نصها : ” و طبقا للمصادر ذاتها فإن الكتاتني حذر السيسي من طريق الدم ، قائلا له أنت تريد أن تحول مصر لحرب أهلية خاصة و أن الجماعات الإسلامية التي نبذت العنف و اختارت طريق التغيير السلمي ستجد نفسها مجبرة للعودة إلى الطريق الذي تركته سابقا نتيجة الانقلاب على الديمقراطية ، محذرا في الوقت نفسه من كمية السلاح التي تم تهريبها بمعرفة أجهزة أمنية بالدولة لتحويل مصر لساحة من الحرب والنزاع.      .

و إزاء تهديدات الإخوان على لسان الكتاتنى بارتكاب عملياتٍ إرهابيةٍ ضد الدولة المصرية فقد أكد له قادة المؤسسة العسكرية أن الجيش و الشرطة سيواجهان ذلك بحزمٍ ، و هو ما يعنى أن الإخوان كانوا على بينةٍ من أن المؤسسة العسكرية ستقابل تهديداتهم الإجرامية بالتصدى لها بالقوة المسلحة ، فعَمَدُوا إلى حشد أنصارهم من الرجال و النساء و الأطفال في رابعة العدوية و النهضة لاستخدامهم كدروعٍ بشريةٍ يستترون خلفها  ، و استغلوا المدة التي استغرقتها المحاولات الجارية من قِبَلِ المؤسسة العسكرية لحقن الدماء و انهاء الأزمة التي افتعلوها وديًّا في ارتكاب الحماقات لاستفزازها على فض الاعتصام بالقوة المسلحة حتى يتسنى لهم استكمال نموذح غاندى في الهند أملًا منهم في أن يُحرزوا نجاحًا فى الضغط بذلك لإعادة مرسى إلى الحكم أو أن يتمكنوا ـ على الأقل  ـ من  تقمص دور الضحية لاستدرار العطف عليهم طلبًا للمزيد من الدعم و المال من المتعاطفين معهم . 

و لعل ذلك هو الذى دفع قادتهم إلى إخفاء ميعاد الفض بعد إعلامهم به من قبل قادة الجيش الذين كانوا يسعون في محاولةٍ أخيرةٍ لحقن الدماء ، لقد أفضى قادة الجيش إلى الإخوان بساعة الصفر المحددة لعملية الفض بالمخالفة للتعليمات العسكرية التي تقتضى الإبقاء على ساعة الصفر فى مثل هذه العمليات طى الكتمان وسريًّا للغاية لتفادى الخسائر التي من الممكن أن تنجم نتيجة استعداد المُستهدَفين بها إذا آثروا المواجهة ، و قد شهد بذلك شهود عيانٍ من بنى جَلَدَتهم و حمَّلوهم مسئولية الدماء التي أريقت .      

لا أدرى كيف سيبرر الإخوان حذف الفقرة التي تتحدث عن تهديدات الكتاتنى السالف بيانها بعد أن قرأها الناس واستوعبوا ما جاء فيها ، إن ذلك فضلًا عن كونه يؤكد كذبهم في سائر ادعاءاتهم و مرواغتهم و خداعهم فإنه يدلل على ضلوعهم في الكثير من الجرائم التي أخلت بأمن الدولة المصرية رغم محاولتهم التنصل منها . 

إن الحقائق التي تكشفت مؤخرًا و توثقت بأدلةٍ كانوا هم الشهداء على أنفسهم فيها تؤكد أن ما جرى في يونية عام  2013 كان ثورةً شعبيةً حقيقية ، وأنهم حاولوا استغلال ما لديهم من نفوذٍ دينىٍّ يحمل الناس على تصديقهم  لتزوير الحقائق و وصم الثورة بالانقلاب ، كما تؤكد مسئوليتهم عن الدماء التي أريقت بتعمد استخدام الرجال و النساء و الأطفال كدروعٍ بشريةٍ فيما أطلقوا عليه اعتصام رابعة و النهضة  ، و دأبهم على استفزاز النظام بانتهاك حرمة منشآت الدولة و تعكير صفو المجتمع و الإخلال بأمنه و استقراره كمحاولتهم اقتحام مبنى الحرس الجمهورى بزعم إخراج الرئيس المعزول محمد مرسى  ؛ و ذلك لحمل المؤسسة العسكرية على استخدام القوة ضد دروعهم البشرية المعتصمة في رابعة و النهضة بغية تحقيق نموذج غاندى فى الهند الذى دعوا إليه و افصحوا عنه منذ الوهلة الأولى لاعتصامهم هذا ، مما أسفر عن ارتكاب جرائم تندرج في عداد الجرائم ضد الإنسانية ينبغي محاكمتهم عليها ، و هناك الكثير من التفصيلات التي ألممت بها من شهود عيانٍ سوف أكشف عنها ـ إن شاء الله ـ لاحقًا  .

و أتساءل ما المبرر لاستمرار الإخوان في تحديهم إرادة الشعب و الإضرار بمصالح الأمة و الدعوة للخروج على النظام و القانون إلا أن يكونوا دعاة فتنةٍ مُغرِضين ؟

و السؤال الأهم هو  لماذا يؤثر حلفاؤهم الصمت رغم تكشف كل هذه الحقائق التي تنفى أي مبررٍ للاستمرار في الصفوف معهم  ؟ فما أصبرهم على ذلك !  لذا فإننى أتوجه إلى الذين حالفوهم و ناصروهم من خارج جماعتهم ممن فعل ما فعل من غير مصلحةٍ أو غرضٍ أن يخرجوا عن صمتهم و أن يوحدوا جهودهم لملاحقة هؤلاء المجرمين بغية محاكمتهم و القصاص منهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى