أخبار العالم
وزير الخارجية أمام الأمم المتحدة: مصر أول من أرسى دعائم السلام في الشرق الأوسط

أكد الدكتور بدر عبد العاطي – وزير الخارجية، أن الوضع في الشرق الأوسط على شفير الانفجار، لافتاً إلى أن مصر أول من أرسى دعائم السلام في الشرق الأوسط.
جاء ذلك في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً أنه من الضروري بناء نظام عالمي يتأسس على قواعد القانون الدولي، لافتاً إلى أن مصر ترفض أي سيناريوهات للتهجير القسري.
وأضاف وزير الخارجية، أنه كان من المفترض أن يكون احتفالنا اليوم على تأسيس الأمم المتحدة مناسبة للتأمل في مسيرة المنظمة وكيفية التعزيز في حفظ الأمن وتحقيق الرفاهية للجميع.
كان مفترضاً أن يكون احتفالنا هذا العام بمرور ثمانين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة.. مناسبة للتأمل في مسيرة منظمتنا، والتفكير في كيفية تعزيز ما أنجزته لحفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيق الرفاهية والتنمية للجميع، وبناء نظام دولي يتأسس على قواعد القانون الدولي التي تطبق على الجميع، ويخضع لها الجميع؛ لحماية كرامة وحقوق البشر ..كل البشر.
غير أن واقع المنظومة الدولية اليوم، وبعد ثمانية عقود على تأسيسها، لا يمت للأسف الشديد بصلة لهذه الأهداف النبيلة.. فالنظام الدولي متعدد الأطراف في حالة سيولة غير مسبوقة، وألياته تتداعى وتتآكل مصداقيته بفعل الجرائم التي ترتكب تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي يكتفي بدور المتفرج إزاء ما يحدث من انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي قوضت شرعية المنظومة الدولية في ظل ما نشهده من ازدواجية المعايير والكيل بأكثر من مكيال في الشرق الأوسط.
ويقف الشرق الأوسط على شفير الانفجار.. اذ تغيب كل مقومات السلم والأمن والاستقرار.. فلا يوجد احترام يذكر للشرعية الدولية، ويقع اشقاؤنا الفلسطينيون ضحية أبشع الممارسات الإسرائيلية الممثلة في حرب ضروس على مدنيين عزل لذنب لم يقترفوه، مدفوعة بأيدلوجية متطرفة لا ترى سوى القتل والدمار والتجويع الممنهج وخطاب مسموم للتحريض على العنف والكراهية وامتدت أيادي العدوان في سكرة من القوة وانعدام المساءلة على دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى وآخر حلقاته العدوان الغادر على قطر الشقيقة.
وتنظر مصر أول من أرسى دعائم السلام في الشرق الأوسط بالزيارة التاريخية للرئيس السادات للقدس عام 1977 للواقع الأليم السائد بالمنطقة بعين القلق والمسئولية في آن واحد؛ فبعد عامين من العدوان الغاشم على غزة أضحت أسس السلام الذي استغرق نسجه أكثر من 45 عاماً في مهب الريح.. وإزاء هذه الظروف العسيرة، تطرح مصر رؤيتها للتعامل مع الوضع في الشرق الأوسط والمنظومة الدولية على النحو التالي:
أولاً: الإعراب عن الامتنان والتقدير لما أعلنه الرئيس «ترامب» من التزام واستعداد للعمل مع قادة المنطقة لإنهاء الحرب في غزة وفقًا لرؤية متكاملة تحقن الدماء وتضمن الأمن للجميع وتستعيد أسس بناء الثقة المفقودة.
وتبدى مصر كل الاستعداد وكامل الالتزام للبناء على رؤية الرئيس ترامب؛ لاستعادة الاستقرار وإنهاء الحرب وفتح الآفاق للسلام، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى وتضميد كل الجراح .. جراح اليتامى والأسرى والجرحى والجوع؛ لوضع غطرسة القوة جانباً ورفع رايات العمران والأمل في الغد.
ولقد كرست مصر منذ اندلاع الأزمة كافة جهودها للتوصل لوقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة، بالاشتراك مع قطر الشقيقة والولايات المتحدة، واستئناف إدخال المساعدات دون عوائق؛ لمواجهة المجاعة الحالية التي هي من صنع إسرائيل، وهو ما يجب أن يمثل مع الانعاش المبكر لمقومات الحياة في غزة أولوية قصوى للمجتمع الدولي وعلينا جميعاً وسويا التكافل لضمان توفير ونفاذ المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.
ونعيد التأكيد على رفضنا القاطع لأي سيناريوهات لتهجير الشعب الفلسطيني باعتباره جريمة من جرائم التطهير العرقي.. ونقولها بوضوح شديد.. مصر لم ولن تكون بوابة لتصفية القضية الفلسطينية، وسنستمر في دعم صمود الشعب الفلسطيني الأبي المتشبث بترابه الوطني، ولن نكون أبداً شركاء في نكبة جديدة وما تعنيه من جرائم ومآسي إنسانية مضاعفة.
وأضاف الوزير عبد العاطي: كما طرحت مصر خطة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار تم اعتمادها عربياً وإسلامياً وحصلت على تأييد العديد من الدول الشريكة.. ولا يفوتني الإشادة بالدور الذي لا غنى عنه لوكالة الأونروا لدعم ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وتدعو مصر إلى توفير الدعم الكامل والمستدام للوكالة.
إن استمرار الاحتلال والإبادة الجماعية، وتغييب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها تجسيد دولة فلسطين المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية يُفرغ أي حديث عن الأمن أو السلام في المنطقة من مضمونه، ونؤكد في هذا الصدد دعمنا الكامل لمسار مؤتمر حل الدولتين ونشيد بالقرارات الشجاعة للدول التي أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية.
فلا يمكن أن تنعم إسرائيل بالأمن فيما ينعدم الأمن للآخرين، ولن تنعم تلك المنطقة بالاستقرار، دون دولة فلسطينية مستقلة، وتزخر قرارات الشرعية الدولية بمحددات كل الحلول لأزمات المنطقة.. كل ما نحتاجه الرؤية الثاقبة والفكر السديد والإرادة السياسية وتغليب الحكمة واستيعاب دروس الماضي.
ونحذر في ذلك السياق من استمرار السياسات القمعية والممارسات الإسرائيلية في غلق الباب أمام آمال شعوب المنطقة في التعايش السلمي والتعاون الإقليمي، وفي مواجهة هذه التحديات، طرحت مصر والسعودية الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة التي أقرتها الجامعة العربية لتكون أساساً لتصور جديد لإقليم ينعم كل أطرافه بالأمن المتكافئ والمتوازن المستدام.. يدنا ممدودة بالسلام.. فلا تخذلوا أحلام أطفال يتطلعون لمستقبل مشرق.. وشباب يرغبون في البناء والتعمير.. وشيوخ يرجون الحياة الكريمة في سلام، وأقتبس ما ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسي «أن السلام هو خيار مصر الإستراتيجي لضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوب المنطقة».
ثانياً: تنظر مصر لمحيطها الملتهب من منظور شامل يرتكز إلى القانون الدولي ويعطي الأولوية لاحترام سيادة الدول وتسوية النزاعات بالطرق السلمية والحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ومكافحة الإرهاب كركائز للاستقرار.. في هذا الإطار، تشدد مصر على الأهمية البالغة لدعم السودان الشقيق الذي يمر بمرحلة دقيقة تحتاج إلى تكاتف الجهود.
وندعم بكل قوة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية بما فيها الجيش السوداني الوطني، كما نعمل بالتعاون مع مجلس السيادة السوداني والشركاء الدوليين من أجل استعادة الاستقرار والسلام، استناداً للملكية السودانية الوطنية لتحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق.
كما نؤكد دعمنا الثابت لليبيا ومؤسساتها الوطنية وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت ممكن، وأهمية خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، بما يسهم في تعزيز الأمن وتمكين وتوحيد المؤسسات الليبية من الاضطلاع بدورها في ترسيخ الاستقرار على كامل الأراضي الليبية.
ونشدد على ضرورة حل الأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات الدولية وصون حرية الملاحة والحفاظ على أمن البحر الأحمر شريان التجارة الدولية، خاصة وأن مصر هي أكثر الأطراف المتضررة من هذا التصعيد حيث خسرت أكثر من 9 مليار دولار من عوائد قناة السويس نتيجة اضطراب حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر.
كما نؤكد على أن أمن الصومال واستقلاله ووحدته الترابية جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم، وندعو إلى تضافر الجهود وحشد التمويل اللازم من أجل تفعيل بعثة الإتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال AUSSOM، واعتزام مصر المشاركة بقوات من الجيش والشرطة فيها.
وفي ظل هذه الأزمات الإقليمية المركبة، تقوم مصر بدور إنساني بارز، من خلال استضافة أكثر من عشرة ملايين مهاجر ولاجئ، وتوفير بيئة تحترم حقوقهم وكرامتهم، وتضمن حصولهم على الخدمات الأساسية دون تمييز.
ورغم الأعباء المتزايدة التي تفوق قدرتنا، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، تواصل مصر التزامها الأخلاقي والإنساني تجاههم، وفى هذا السياق، تؤكد مصر ضرورة تفعيل مبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات المنصوص عليه في العهد الدولي للاجئين، وتدعو المجتمع الدولي إلى تقديم دعم أكبر وتمويل مستدام لضمان استمرار تقديم الخدمات للاجئين والمجتمعات المضيفة.
ثالثاً: تتبني مصر سياسة نشيطة للوساطة وبناء السلام تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لنسج التفاهمات والتوصل لحلول، وإثر ما شهدته منطقتنا من استهداف لمنشآت نووية خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمخالفة للقانون الدولي، مما ينذر بعواقب وخيمة تلقي بظلالها على مستقبل ومصداقية معاهدة منع الانتشار النووي سعت مصر لتعزيز الحوار بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمكنت هذه الجهود من التوصل لاتفاق القاهرة مطلع الشهر الجاري وسنستمر في جهودنا لمتابعة تنفيذ هذا الاتفاق في مسعي لتحقيق عالمية المعاهدة، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
رابعاً: نؤمن إيماناً راسخاً بأن التعاون وفقاً للقانون الدولي ركيزة الاحترام المتبادل والسبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة.
ولقد أثبتت التجارب أن الإجراءات الأحادية تعمق الأزمات وتزيد الفجوات.. ولطالما سعت مصر لتعزيز التعاون بين دول حوض نهر النيل ودعم التنمية في تلك الدول الشقيقة التي نتشارك معها نهر النيل مصدر الخير والنماء لنا جميعاً.
في المقابل، ارتأت إثيوبيا مخالفة القانون الدولي وفرض الأمر الواقع ضمن سياساتها الأحادية المزعزعة للاستقرار في القرن الأفريقي وحوض النيل الشرقي، وأعلنت عن انتهاء سدها وأن «ما مضي قد مضي» حالمة أو بالأصح متوهمة أن مصر ستنسى حقوقها ومصالحها الوجودية في نهر النيل.. وإن كان هناك من يتشدق بمزاعم التزامه بالقانون الدولي، فإننا على أتم الاستعداد لتناول الأمر في أليات القضاء أو التحكيم الدولية.
ذلك إن صدقت النية للاحتكام لهذه الآليات.. الأمر الذي لم ولن يتوفر.. أما وإن ركنوا للمماطلة وتهديد حياة ملايين البشر في دولتي المصب، فإننا لن نتهاون في حماية حقوقنا وإننا لقادرون على ذلك، ويكفل لنا ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي حماية مصالحنا الوجودية في نهر النيل.
خامساً: تؤكد مصر أن إصلاح الأمم المتحدة ومنظمات التمويل الدولية لم يعد خياراً قابلاً للتأجيل.. بل ضرورة ملحة لضمان تمثيل عادل ومتوازن في آليات اتخاذ القرار الدولي.
وتعيد مصر التأكيد على تمسكها بتوافق «أوزوليني» وإعلان «سرت» لرفع الظلم التاريخي عن القارة الأفريقية بمجلس الأمن.
كما تدعو مصر لزيادة تمثيل الدول النامية في عملية اتخاذ القرار المالي العالمي وتوفير التمويل الميسر اللازم لتحقيق التنمية، ونشدد على أهمية تعزيز أطر التمويل الحالية، واستحداث آليات جديدة قادرة على الاستجابة لتحديات الدول النامية.
كما نؤكد على أهمية إصلاح هيكل الديون العالمي متزايد التعقيد، الذي تلوح معه أزمة ديون وشيكة، وتبني آليات مستدامة لإدارة الديون في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
ونتطلع إلى البناء على مخرجات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية الذي استضافته إسبانيا في يوليو الماضي؛ لاتخاذ خطوات فعالة لتمويل التنمية،كما نرى ضرورة لتعزيز جهود نفاذ الدول النامية للرقمنة والذكاء الاصطناعي.
ولقد بذلت الرئاسة المصرية لمؤتمر COP27 قصارى جهدها لتحقيق تقدم ملموس، خاصة بتأسيس صندوق تمويل الخسائر والأضرار، إلا أننا نبدي قلقاً متزايداً في ظل أزمة تمويل المناخ المستمرة. وتؤكد مصر على ضرورة توفير التمويل للدول النامية دون تحميلها أعباء ديون إضافية لأزمة لم تكن سبباً فيها.
كما تعرب عن قلقها من تراجع الدول المتقدمة عن تعهداتها، مما يعيق تحقيق أهداف اتفاق «باريس» استناداً إلى مبادئ الانصاف والمسئوليات المشتركة متباينة الأعباء.
السيد الرئيس
إن الظرف الدولي والإقليمي دقيق للغاية، وفي ظل مسئوليتنا التاريخية ودور مصر الأممي والإقليمي، كان علينا دق ناقوس الخطر والتحذير من مغبة الوضع وطرح خارطة طريق للتعامل مع هذا الوضع الحرج.. إننا أمام منعطف مفصلي.. فإما توجيه الشرق الأوسط نحو استعادة العقلانية والاحتكام للقانون الدولي.. أو الاندفاع لحالة من الفوضى قد يظن البعض أنه سيتحكم فيها بالقوة.. إلا أن التجربة والتاريخ أثبتوا أن سكرة القوة دائماً ما تنتهي كارثة.. أول من تصيبه صاحبها.
أؤكد أن مصر الدولة المؤسسة للأمم المتحدة تظل بعد 80 عاماً من عمر المنظمة على عهدها ملتزمة بالقانون الدولي، ومتمسكة بتعزيز العمل متعدد الأطراف، إدراكاً منا أن غياب الحوكمة الدولية سيكون وبالاً على الجميع.. وأنه لا مناص عن الالتزام بالقانون الدولي، وتعزيز آليات إنفاذه، وتفعيل المساءلة إزاء منتهكيه لصون السلم والاستقرار، وتحقيق التنمية المستدامة، والوفاء بحقوق الإنسان.
وفي الختام أقتبس من كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي: «إن السلام لا يولد بالقصف ولا بالقوة ولا بتطبيع ترفضه الشعوب، وأن السلام الحق يبني على أسس العدل والإنصاف والتفاهم».