كنائس وأخبار

في زيارة رعوية لافتة.. البابا تواضروس يصلي العشية بالعلمين ويقرر تبعية الكنيسة للبطريركية بالإسكندرية

واصف ماجد

ترأس قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسيه صلوات العشية بكنيسة  السيدة العذراء والشهيدة مارينا بمدينة العلمين .

شارك في صلاة العشية  القمص أبرآم إميل وكيل عام البطريركية بالإسكندرية، وعدد من الآباء الكهنة من الإسكندرية والعلمين، إلى جانب خورس شمامسة الكنيسة وجموع غفيرة من الشعب القبطي في المنطقة، في مناسبة جمعت بين العبادة والتاريخ، وأحيت ذكرى رجل من رجال الكنيسة البصيرين.

جاءت الزيارة لتفتح فصلًا جديدًا في حياة الكنيسة، إذ أعلن قداسة البابا رسميًا، وبكلمات رصينة محمّلة بالعرفان والوفاء، انتقال تبعية كنيسة السيدة العذراء والشهيدة مارينا بالعلمين إلى البطريركية بالإسكندرية، تنفيذًا لوصية الراحل الجليل مثلث الرحمات الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية، الذي طالما رأى في هذه الكنيسة نواة لمقر بابوي في منطقة ساحلية واعدة، تنبض بالنمو العمراني وتزدهر بالحضور السكاني، وكانت رؤيته الثاقبة حجر الأساس لهذا القرار البطريركي الهام.

قبيل الإعلان، ألقى البابا تواضروس عظة عقب صلاة العشية حملت عنوان “قوة الله”، استهلها بمخاطبة القلوب من خلال كلمات المزمور: “أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي”، متأملًا فيها كيف تعمل قوة الله في حياة الإنسان بصورة ملموسة ومجيدة، ليس فقط في التاريخ المقدس بل في الحياة اليومية أيضًا. ووسط هدوء الكنيسة ونفوس الحاضرين، أخذ قداسته يطوف عبر صفحات الكتاب المقدس، مستعرضًا مشاهد جسّدت تلك القوة الإلهية، مشيرًا إلى نجاة الفتية الثلاثة من أتون النار الملتهبة، وكيف غلبت نعمة الله قوانين الطبيعة حين حفظ يونان في جوف الحوت، وحين أسكت السيد المسيح الريح بسلطان كلمته، كما توقف عند المواجهة التي انتصر فيها داود الصغير على جليات الجبار، وختامًا بانتصار الروح على الشيطان في حديث المسيح مع السبعين تلميذًا.

هذا العرض الكتابي لم يكن غرضه السرد، بل أتى تمهيدًا لسؤال وجودي طرحه قداسته ببساطة وعمق معًا: كيف تكون قوة الله حاضرة في حياة الإنسان؟ وأجاب البابا بترتيب روحي يدعو للتأمل والممارسة معًا، مؤكدًا أن الكلمة الإلهية هي البداية، فهي حية وفعالة وتخترق أعماق النفس، داعيًا إلى أن يكون الكتاب المقدس حاضرًا باستمرار في بيوتنا، مفتوحًا ومقروءًا ومرشدًا.

ثم توسع قداسته  في شرح دور الأسرار الكنسية، مشبهًا إياها بمجاري النعمة التي تروينا وتغذينا، بدءًا من المعمودية والميرون، مرورًا بسر التوبة والاعتراف، وصولًا إلى سر الإفخارستيا الذي يمنح المؤمن تجددًا روحيًا دائمًا. ومن هنا، ربط قداسته بين هذه الأسرار وبين حياة القداسة التي تُبنى بالجهاد والصلاة والصوم، لينتقل بعدها إلى البُعد الرابع في نهر القوة الإلهية، وهو الخدمة، باعتبارها أداة عملية لتمجيد الله واستثمار الوزنات، ووسيلة لنوال القوة الروحية من خلال العطاء.

وفي ختام العظة، استحضر قداسة البابا سيرة المتنيّح الأنبا باخوميوس بروح المحبة والعرفان، واصفًا إياه بأنه راعٍ استشرف المستقبل بروح ملؤها الحكمة، واستعرض مسيرة الكنيسة منذ كانت فكرة، مرورًا بمرحلة البناء، وصولًا إلى كونها اليوم مقرًا رسميًا تابعًا للبطريركية السكندرية، قرارٌ قال عنه البابا إنه ليس مجرد تنظيم إداري، بل تحقيق لوصية صادقة ونظرة رعوية بعيدة المدى. كما لم يفت قداسته أن يذكر بالخير كل من ساهموا في تأسيس الكنيسة وخدمتها، وعلى رأسهم المتنيح الأرخن الدكتور ميلاد حنا، الرجل الذي وهب عمره لخدمة الكنيسة بروح محبة وإنكار للذات.

وقد جاءت هذه الخطوة لتؤكد على امتداد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ربوع مصر الجديدة، لا فقط كمبانٍ بل كرسالة، حيث تتحول الكنائس إلى منارات رجاء في مناطق جديدة تنبض بالحياة، وتفتح ذراعيها لكل من يلتمس النعمة والسلام.

بهذا القرار، تكون كنيسة السيدة العذراء ومارينا قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، تحت إشراف مباشر من وكيل البطريركية بالإسكندرية، وضمن رؤية بطريركية تشمل تعزيز الحضور الكنسي المتزن في المدن المستحدثة، مع الحفاظ على الروح الليتورجية والرعوية التي تميز الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في كل زمان ومكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى