أول صوم كنسي بعد العنصرة… تعرف على صوم الرسل

واصف ماجد
بدأ صوم الرسل بعد نهاية الخمسين المقدسة واحتفال الكنيسة بعيد حلول الروح القدس ، وطقس صلاة السجدة ، حيث يبدأ طقس كنسي أخر كاول ممارسة نسكية عرفتها الكنيسة .
” بوابة المصري الإخبارية ” تفتح ملف صوم الرسل ، لكي يتعرف القارىء عليه ، وموقعه في الفقس الكنسي ، ومدته ، وممارساته ، فإلى نص التقرير .
انهت الكنيسة فترة الخمسين المقدسة الاحتفالية ، محتفلة بعيد حلول الروح القدس، و طقس صلاة السجدة، علي ان تبدأ موسم طقسي اخر بصوم الرسل كأول ممارسة صوم نسكية جماعية عرفتها الكنيسة بعد تأسيسها. ويُعد هذا الصوم من الأصوام القديمة التي تنفرد بطابعها المتغيّر، نظرًا لارتباط بدايته بثبات عيد العنصرة، ونهايته بعيد الرسولين بطرس وبولس في الخامس من أبيب (12 يوليو بالتقويم الغربي).
يعكس صوم الرسل مرحلة انتقالية في الحياة الليتورجية، إذ يفصل بين زمن الفرح الروحي الذي يعيشه المؤمنون في الخمسين المقدسة، وزمن الخدمة الذي بدأه التلاميذ عقب استعلان الروح القدس عليهم. ومن ثمّ، فإنه يُصنّف في الوعي الكنسي كصوم رسولي يرتبط برسالة الكنيسة أكثر من ارتباطه بالتوبة الفردية.
ورغم قِدم هذا الصوم، إلا أن الكنيسة لم تحدد له مدة ثابتة، بل تتغير بحسب موعد عيد القيامة، عبر قاعدة حسابية تستند إلى ما يُعرف بقانون “طرح 81”. ووفق هذا القانون، يُطرَح عدد أيام الصوم الكبير (والأصوام الانقطاعية التي تسبقه) من الرقم 81، ليُحدَّد بذلك أول يوم لصوم الرسل. ويُمكن أن تتراوح مدته ما بين يومين فقط – كما حدث في بعض السنوات النادرة – وحتى 44 يومًا كما هو الحال في بعض التواريخ المتأخرة للقيامة.
من الناحية التاريخية، تشير الوثائق الكنسية إلى وجود هذا الصوم منذ القرون الأولى، حتى وإن لم يُذكر باسمه الحالي. فقد عرفته بعض الكنائس تحت مسمى “صوم العنصرة”، واعتُبر وقتًا للخدمة والكرازة، تيمّنًا بما فعله التلاميذ بعد نوالهم موهبة الروح القدس. أما تسميته الحالية بـ”صوم الرسل”، فقد ارتبطت بتكريم استشهاد القديسين بطرس وبولس، اللذين يمثلان ركيزتين أساسيتين في الكرازة الرسولية، ويُحتفل بهما في ختام هذا الصوم.
ويحمل عيد الرسل الذي يُختَتم به الصوم طابعًا طقسيًا خاصًا في الكنيسة القبطية، إذ يُقام فيه طقس “اللُّقان” – وهو أحد ثلاثة أعياد سنوية تُصلى فيها المياه المقدسة – وذلك في إشارة رمزية إلى غسل الأرجل وتكريم أقدام المبشّرين بسلام الإنجيل.
من جهة أخرى، لا تخلو سيرة هذا الصوم من محطات محلية أثارت الجدل أو حاولت تعديل ممارسته، لا سيّما في العصر الحديث. فقد شهدت بعض المناطق نقاشات حول مدته وأهميته، لكن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ظل محافظًا على قداسته، متمسكًا بموعده المتغير وتراثه المتجذّر، في تعبير واضح عن الاستمرارية بين التقليد والواقع المعاصر.
ويُلاحظ أن الوعي الشعبي بصوم الرسل أقل حضورًا مقارنة بصومَي الكبير والعذراء، إلا أن أبعاده الروحية تظل محورية، خاصة لمن يتأملون في انتقال الكنيسة من زمن المعاينة إلى زمن الشهادة. فصوم الرسل ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو تذكير دائم بأن كل مسيرة روحية ينبغي أن تُتوَّج بخدمة عملية وعطاء فعلي، على مثال الرسل الذين لم يحتفظوا بالنعمة لأنفسهم، بل انطلقوا بها إلى أقاصي الأرض.
ويكتسب هذا الصوم في الكنيسة القبطية طابعًا زمنيًا مزدوجًا، إذ يتزامن غالبًا مع بداية فصل الصيف، ما يربطه بالمناخ الزراعي المصري وأعياد الفيضان القديمة. وقد أعادت الكنيسة صياغة هذه الدلالة الثقافية في إطار روحي، بحيث يُنظر لصوم الرسل كبذار رسولي يُثمر في قلب العالم، تمامًا كما كان النيل يبشّر بالمياه والنماء.
وفي النهاية، يبقى صوم الرسل تذكارًا حيًا لانطلاقة الكنيسة من أورشليم إلى المسكونة، من العلية إلى الشهادة، ومن المعاينة إلى الرسالة. هو صوم الكنيسة في قلب العالم، حيث لا انفصال بين الروح والخدمة، ولا مفاضلة بين العبادة والعمل، بل تكامل أصيل يُجسّد الرسالة التي بدأت يوم العنصرة وما زالت مستمرة حتى اليوم.