في قداس السيامة.. البابا تواضروس يطرح “دستور النجاح في الخدمة” من تسعة مبادئة

واصف ماجد
طرح البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، رؤية شاملة لخدمة الأسقف في الكنيسة القبطية، من خلال تسعة مبادئ أساسية قدّمها خلال عظته في قداس سيامة ثمانية من الأساقفة الجدد، واعتبرها بمثابة “دستور نجاح” لا يقتصر على المطارنة والأساقفة فحسب، بل يمتد ليشمل الكهنة والرهبان والعلمانيين المعنيين بالخدمة.
واستهل البابا حديثه بالتأكيد على أن المسيح هو القائد الوحيد وصاحب الكنيسة، بينما الأسقف والخادم مجرد أداة طيّعة في يد الله، لا تُستخدم بفعالية إلا حين تنمو في الطاعة وتتجرد من الذات. واعتبر أن مقاومة الخادم لعمل الله بداخله من خلال التشبث برأيه أو إبراز ذاته تحول دون فاعلية النعمة.
في المبدأ الثاني، شدد البابا على أن الأسقف لا يُسام تكريمًا له، بل لتحمّل مسؤولية شعب كامل، وهو ما يستدعي التواجد الدائم وسطهم، إذ أن علاقة الأسقف بشعبه لا تبنى على السلطة بل على الأبوة، وحضوره بينهم يمنحهم أمانًا نفسيًا وروحيًا ويصير قناة لعمل الله.
أما المبدأ الثالث، فركّز على الاتضاع باعتباره الضمان الوحيد لاستمرار النعمة، موضحًا أن الخدمة الكنسية لا تُقاس بالمكانة بل بالاستعداد لغسل أقدام الآخرين. وأضاف أن الذات حين تتضخم تُفسد الموهبة، وتُعطل القنوات التي تعمل بها النعمة.
وفي المبدأ الرابع، دعا البابا إلى حماية الحياة الروحية من التآكل تحت وطأة المسؤوليات، محذرًا من الانشغال بالخدمة على حساب العلاقة الشخصية بالله، ومذكّرًا بأن الأسقف يبقى راهبًا أولًا، مطالبًا بالحفاظ على ممارسات الاعتراف، والخلوة، وفحص النفس.
أما المبدأ الخامس، فركّز على ضرورة إشباع الشعب بمستويات متعددة: روحيًا وكنسيًا ونفسيًا واجتماعيًا. وقال البابا إن الشعب القبطي يُعرف بإيمانه العريق وانتظاره المستمر للدعم الأبوي، مما يحمّل الأسقف مسؤولية العناية بكل الفئات، من الطفولة حتى الشيخوخة، ومن الأسر المستقرة إلى المهمشة، بما في ذلك ذوي الاحتياجات والأيتام.
وفي تحذير صريح، اعتبر البابا المبدأ السادس ضرورة للنجاة من خطية محبة المال، التي وصفها بأنها تُميت القلب وتُفقده الأمانة. وأكد أن المال الذي يصل إلى يد الخادم ليس امتيازًا شخصيًا بل أداة لخدمة الشعب، ومجرد وسيلة تدبير يضعها الله لأجل احتياجات الكنيسة.
وفي المبدأ السابع، رفض البابا الانشغال بأي ممارسات خارجة عن نطاق التعليم الكنسي الأرثوذكسي، مثل تفسير الأحلام، الحديث عن الأرواح، أو الإدعاء بمعرفة الغيبيات. وقال إن هذه الانشغالات تصنع ثغرات روحية يُستدرج من خلالها الخادم إلى الكبرياء، وتُفقده جوهر خدمته وهو خلاص النفس.
وفي المبدأ الثامن، شدد على أهمية إدراك توقيتات الله، ورفض استعجال النتائج. ودعا إلى أمانة يومية ونشاط مستمر، دون السقوط في دوائر التوتر أو القلق، مشيرًا إلى أن الثمار تأتي في وقتها، حين تُزرع في الوقت الصحيح وتُروى بالاتساق والتجرد.
أما المبدأ التاسع، فركّز على جوهر الديانة الحقة، وهو افتقاد المتألمين. وقال إن الأرامل واليتامى ليسوا مجرد حالات اجتماعية بل موضع نظر الله، وأن ضيقات البشر لا تقتصر على الاحتياجات المادية، بل تشمل الأزمات النفسية والعزلة والوحدة، داعيًا إلى قلب مفتوح وحياة طاهرة خالية من دنس العالم، حتى في زحمة الانشغالات.
وفي ختام العظة، طلب البابا من الآباء المطارنة توجيه الأساقفة الجدد للقيام بزيارات رعوية لاكتساب الخبرة العملية، بجانب ما تلقوه من تدريب نظري، مشيرًا إلى أن هذه المرحلة تحتاج إلى دعم كنسي وشعبي. كما دعا الجميع إلى الصلاة من أجلهم خلال فترة صوم الرسل، مؤكدًا أن هذا الصوم يُعد زمنًا مخصصًا للخدمة وتجديد الالتزام الروحي.