مطران الكاثوليك بالإسماعيلية: الصعود مسيرة قلب نحو السماء

القاهرة – واصف ماجد
دعا نيافة الأنبا بولا، مطران إيبارشية الإسماعيلية للأقباط الكاثوليك إلى تأمل أعمق في عيد الصعود ، لا كذكرى سنوية، بل كدعوة شخصية وحاضر ، متسائلاً : هل تصعد أنت أيضًا؟
موضوعات متعلقة :
جاء ذلك خلال عظة قداس عيد الصعود المجيد لنيافة الأنبا بولا مطران الإسماعيلية ، الذي افتتح عظته بآية في سفر أعمال الرسل دُويت على جبل الزيتون، تقول : ” يا رجال الجليل، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء” (أعمال 1: 11).
قال نيافته :” إن الصعود ليس لحظة تاريخية مضت، ولا مجرد معجزة جسدية شهدها التلاميذ، بل هو مسار روحي مفتوح أمام كل نفس.
تابع يقول :” إن السماء ليست موقعًا جغرافيًا في مجرّات بعيدة، بل هي حالة قلب، واختيار يومي، ودرب من التغيير الحقيقي يبدأ الآن، في خضم الواقع، وسط الهموم والصراعات والضعف والسقوط “.
قاد نيافة الأنبا بولا قاد المصلين في تأمل تدريجي عميق أسماه”محطات الصعود الروحي”، دون تعداد أو تصنيف خطابي مباشر، بل بأسلوب إنجيلي شاعري، استلهم فيه كلمات الآباء والباباوات والآيات المقدسة.
الصعود يبدأ بولادة جديدة.
أكد نيافته أن الصعود ليس ولادة لا من الجسد، بل من الروح. فالذي يولد من فوق، يبدأ في رؤية الملكوت، حتى ولو كان لا يزال في وادي الحياة اليومية. وتساءل نيافته: هل تفتح قلبك صباحًا للروح القدس؟ هل تبدأ يومك بالله، لا بالقلق؟ مستلهمًا كلمات القديس أغسطينوس: “لقد خلقك الله بدونك، لكنه لن يقدسك بدونك”.
لكن الصعود لا يتم لمن هو متشبث بالأرض.
دعا نيافة المطران الحاضرين إلى التخلي عن “وديان الحقد، والعادات السيئة، والأنانية المتسترة تحت قناع أنني دائمًا على حق”. فكما خرج المسيح من الجلجلة والقبر قبل أن يصعد، هكذا لا يصعد القلب إلا بترك ما يجذبه إلى أسفل. وبتأمل لاهوتي بليغ، استشهد بكلمات البابا بنديكتوس السادس عشر: “الصعود لا يعني رحيل يسوع، بل قربه منا أكثر… دعوة لارتفاعنا من أودية الأنانية إلى أعالي المحبة”.
الزائد يُثقل، والضروري وحده يُصعد.
ذكّر نيافته أن المسيح صعد بلا متاع ولا ثياب، تاركًا للكنيسة الرسالة ، بقوله : “الصعود لا يتسع لكل ما نحمّله من أعباء دنيوية… فقط الإيمان، والرجاء، والمحبة هي التي تصعد”. وأضاء بكلمات القديس يوحنا الصليب: “لكي تقتني الكل، يجب أن تتجرد عن الكل”.
أكد الأنبا بولا أن الحياة المسيحية ليست نزهة على بساط من ورد، بل مسيرة على درب الصليب، لكنها درب مليء بالرجاء ، فيسوع لم يصعد قبل أن يُصلب”، قال نيافته، مقتبسًا البابا فرنسيس: “المسيحية ليست سيرًا على السجاد الأحمر، بل على طريق الصليب”. وهنا عاد لتأكيد المعنى الإنجيلي: “بصبركم تقتنون أنفسكم”.
وأخيرًا، يبقى الصعود هو رفع العين إلى فوق.
ليس فوق الجغرافيا، بل فوق الطموحات الدنيوية. فالصاعدون هم الذين حوّلوا أنظارهم من المال إلى الرسالة، ومن الشهرة إلى الخدمة، ومن اللذة إلى القداسة. نقلًا عن القديس إيريناؤس: “مجد الله هو الإنسان الحي، وحياة الإنسان هي رؤية الله”، ختم نيافته هذا القسم بنداء من القديس غريغوريوس النازيانزي: “لنرتفع مع المسيح، ولنترك الأرض لمن هو أرضي، لأننا نحن خرافه السماوية”.
في خاتمة العظة، قدّم الأنبا بولا قراءة نبوية لواقع الكنيسة والمؤمنين ، حيث قال إن صعود الرب بالجسد ليس غيابًا عن الكنيسة، بل امتلاءً جديدًا لحضوره فيها وفي العالم. وسأل الحاضرين سؤالًا وجوديًا بليغًا: “ما الذي يمنعك من الصعود؟ ما الذي عليك أن تتركه، أو تحتمله، أو ترفعه؟”