منوعات

عيد الصعود”.. حين ارتفع المسيح إلى السماء وترك الرجاء على الأرض

واصف ماجد 

بعد أربعين يومًا من عيد القيامة المجيد، يحتفل المسيحيون اليوم بعيد “الصعود”، أو كما يُعرف في بعض الكنائس بـ”خميس الصعود”. مناسبة قد تبدو للوهلة الأولى محض احتفال ديني خاص، لكنها في حقيقتها تحمل رمزية روحية وإنسانية تتجاوز حدود الطقوس إلى عمق الإيمان، ويمكن لأي إنسان، من أي خلفية دينية، أن يتأمل في معناها .

موضوعات متعلقة : 

ما هو عيد الصعود؟

عيد الصعود هو ذكرى صعود السيد المسيح، بحسب الإيمان المسيحي، إلى السماء بجسده بعد قيامته من الموت، كما ورد في الأناجيل وأعمال الرسل. تقول الرواية: إن يسوع، بعد أن ظهر لتلاميذه مرات متعددة، اجتمع بهم أخيرًا على جبل الزيتون، وهناك باركهم، ثم ارتفع أمامهم إلى السماء، واختفى عن أنظارهم في السحاب، فيما كانوا واقفين مذهولين، يحدّقون إلى فوق.

المشهد لا يقتصر على لحظة معجزيّة بل يحمل بعدًا رمزيًا بالغ العمق. فهو إعلان عن اكتمال رسالة المسيح على الأرض، وبدء مرحلة جديدة من العلاقة بين الإنسان والسماء، أو بين الروح وما هو أبعد من العالم المنظور.

بين الصعود والرجاء

من زاوية إيمانية، يمثل هذا العيد وعدًا بالأبدية، وتأكيدًا أن الوجود الإنساني لا ينتهي بالموت أو بالمادة. لكنه أيضًا لحظة انتقال من الاعتماد المباشر على حضور المسيح بالجسد، إلى الإيمان بحضوره غير المنظور، عبر الروح، وعبر عمل المحبة في العالم.

وفي هذا التحوّل، نجد ما يشبه الفكرة القرآنية في قوله تعالى: “بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا”، حيث يرتبط “الرفع” دومًا بالاصطفاء، وبالخلاص من الشرور، وبالوعد الإلهي بالرحمة والكرامة. قد تختلف التفاصيل بين المسيحية والإسلام، لكن المعنى العميق للارتقاء إلى الله، حاضر بقوة في كليهما.

رسالة إنسانية تتجاوز الطوائف

ما يجعل من عيد الصعود مناسبة تستحق التأمل من الجميع، هو بعدها الإنساني النبيل. فالصعود، في جوهره، ليس هروبًا من العالم، بل دعوة للبقاء فيه برؤية أعمق. التلاميذ لم يُطلب منهم أن يصعدوا مع معلمهم، بل أُرسلوا ليكونوا شهودًا له، لينشروا رسالته، ويخدموا الآخرين.

بهذا المعنى، فالصعود ليس نهاية، بل بداية. إنه لحظة تسليم المسؤولية إلى الإنسان، كي يكون صورة حية للقيم التي جاء بها المسيح: الغفران، والرحمة، والتواضع، وحب الآخر.

في زمن الحاجة إلى “صعود” أخلاقي

في عالم يموج بالصراعات والتمزق، يبدو أن الإنسانية كلها تحتاج إلى نوع من “الصعود”. ليس بمعنى الرحيل من الأرض، بل بالارتقاء في الفكر والسلوك، والعودة إلى القيم الروحية التي تذكّر الإنسان بأنه أكبر من شهواته، وأعمق من مصالحه، وأقدر على أن يصنع الخير.

قد نختلف في العقيدة، لكننا نتفق في الحاجة إلى النور، إلى الرجاء، إلى الارتفاع فوق الكراهية. ومن هنا، فإن عيد الصعود هو دعوة مفتوحة لكل إنسان أن يتأمل في وجهته، وأن يسأل نفسه: إلى أين أرتقي؟ وبأي نور أضيء طريقي؟

فلعلّ في “الصعود” تذكير لنا جميعًا، أن الإنسان مدعوّ دائمًا للارتفاع: لا بالجسد، بل بالقيم. أن يسمو فوق الإحباط، ويتخطى العداوة، ويظلّ يحمل في قلبه إيمانًا بأن الخير ممكن، والسلام ليس حلمًا، والسماء – بكل ما ترمز إليه – تبدأ حين نفتح أبواب قلوبنا لبعضنا البعض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى