المستشار ” عماد أبوهاشم ” يكتب من تركيا : التعاليم السرية للجماعة الإخوانية
آثرتُ أن أترك العنان لمن أراد التعليق على مقالاتى الأخيرة أن يقول كلٌّ ما يشاء ، و رغم فُحْش و بذاءة معظمها فى مبانيها و معانيها أبقيتُها دون حذفٍ و أبقيتُ ذويها دون حظر ، لقد أردتُ ـ بهذا ـ أن يبقى ساقط القول الذى بدا منهم شاهدًا عليهم فيرتد إليهم بغيهم و ما كانوا يفترون ، إنهم بدلًا من أن يَدْعُوا إلى سبيل ربهم بالحكمة و الموعظة الحسنة راحوا يزجرون الناس إكراهًا إلى سبيلهم لا يتورعون عن قولٍ و لا يستحون من شئٍ فعلوه .
لقد أفحشوا القول بما يستحى أن يتلفظه بوذىٌّ أو هندوسىٌّ أو مُلحدٌ ، و إن كان لم ينل من نفسى فُحْش قولهم و بذاءة ألفاظهم إلا أن ذلك قد نبَّهنى و إياكم إلى التعرف على الفرق بين ملتنا و ملتهم و بين نهج نبينا سيد الخلق محمدٍ صلى الله عليه و سلمَ و نهج الأدعياء المكلفين بإرشادهم ، كما أننى و جدتُ فى تلك التعليقات الفرصة السانحة للنفاذ إلى المحتوى الفكرىِّ الذى يحكم سلوك الجماعةِ ككلٍ بإخضاعها ـ لفظًا و معنىً ـ للفحص و الدراسة و التحليل .
من المدهش ـ حقًا ـ أن أجد من يُعَلِّقُ بأننى إذْ أسوق بالدليل و البرهان ضلوع قادة جماعته في جرائم أودت بأرواح الأبرياء و أضرت بالبلاد و العباد فإن ذلك لى يُعَدُّ من علامات سوء الخاتمة و استحقاقى عذاب جهنم ، لقد ذهب فاطلع على اللوح المحفوظ فقرأ أن مجرد اتهامى نفرًا منهم ـ و لو كان بالحق ـ يجعل خاتمى خاتمة السوء ، ثم نَفَخَ صاحبنا في الصور فأقام قيامتى و عَجَّلنى يوم الحساب و نَشَرَ لى الكتاب و عَقَدَ الديوان و نَصَبَ الميزان و أحل نفسه مكان الديَّان و أقر ذنبى و خطيئتى ثم أصلانى سقر .
لماذا ؟ لأننى أتهم ـ بالحق ـ جماعته التي أُلْقِىَ في روعه أنها جماعة الرب الملائكية المعصومة و أن من يمسسها بسوءٍ أو يَخْرُج منها أو عليها فكأنما ارتد عن الدين و انسلخ عن الملة و حاد عن الصراط المستقيم ، فالمساس بالجماعة المعصومة أو الخروج منها أو عليها هو عين سوء الخاتمة في الدنيا و الموجبُ لعذاب جهنم يوم القيامة ؛ ذلك أن الجماعة ـ عندهم ـ هي الركن السادس للإسلام و هى الباب إلى الجنة ، و الجنة هم خزنتها فلا يدخلها أحدٌ إلا من ارتضوه و رضوا عنه ، إنهم كأنما أمنوا مكر الله و ضَمِنوا لأنفسهم حسن الخاتمة في الدنيا و جنان الخلد في الآخرة فمن يحلف يمين الولاء و الطاعة خالصًا مخلصًا من قلبه دخل الجنة بسلام ، الجنة لهم خالصةً من دون الناس و الجحيم لأعدائهم .
أتحَفَنِى آخر بتعليقٍ لوذعىٍّ أفحَمَنِى حيث أنكر علىَّ ما كتبتُه من رأىٍ قيلة إننى ما كنتُ أحلم يومًا أن أُسَلِّم على نفرٍ من قادتهم المُطَوطَمين ، أجل ، كيف لى أن أبلغ ذلك و قد كنتُ لا أرى وجه الواحد منهم إلا مكبلًا بقيوده أو في الأغلال خلف قضبان قفص الاتهام يتباكى أمامى مُلتمسًا العدل و الإنصاف عندى و ما زالوا يفعلون هذا مع غيرى ؟
لقد صِيْغَ الطوطم الإخوانى بالإفراط في توزيع أفيون الشعوب المخدر على الأتباع و المريدين فأصبحوا في جاهزيةٍ مُستدَامةٍ للإيمان بأنوار القداسة الربانية التي يلقيها كبراؤهم على أنفسهم ليكونوا ” تابوهاتٍ ” مقدسةً تتعاظم على كل عظيمٍ و تتعالى على الحق و الدين ، و بدلًا من يكون طموح الواحد منهم ـ كسائر المسلمين ـ أن يحج مثلًا إلى البيت الحرام فقد تجسدت الغاية الأسمى له في أن يحج إلى المرشد و أعضاء مكتبه ليُسَلِّم عليهم و يُقَبِّل الأرض من تحت أقدامهم فتحل البركة عليه و يقربوه إلى الله زُلفى ، إنه من فِرْطِ إيمانه بقداسة أوليائه خال أن الكل مثله يطمح أن يُسَلِّم علي أولئك و أن يُقَبِّل أيديهم و أرجلهم .
و من جملة ما سيق من تعليقاتٍ أن أحدهم أظهر إشفاقًا على حالى بانقلابى على ضلالاتهم بعد أن تكشف لى الحق ، فكتب يقول لى : إننى قد أضعتُ بلح الشام و عنب اليمن ، و كأنه ليس بذى شأنٍ عندهم أن يَتَّجِر المرء بالحق و أن يتكسَّب من ورائه سعيًا إلى بلح الشام أو عنب اليمن ، المهم ألا يخرج خالى الوفاض صفر اليدين و لو بَطَرَ الحق و غَمَطَ الناس ، ربما غاب عنه أننى زاهدٌ في بلح الشام و عنب اليمن و لم أكن ـ يومًا ـ مثله محرومًا منهما و قد تركتهما خلفى في مصر .
و هذا ما يبرر هرولتهم وراء كل صفقةٍ تُدِرُّ عليهم ربحًا أو تجلب لهم نفعًا بغض النظر عن الإضرار التي تَحِيق بحقوق الآخرين ، ففي الوقت الذى يُنكرون فيه ـ بغير الحق ـ الشرعية على نظام الدولة في مصر و يعتبرونه منعدمًا لا وجود له يلهثون ـ سرًا و جهرًا ـ لاسترضائه و التصالح معه ، فكيف يَدَّعون أنه نظامٌ منعدمٌ غير موجودٍ و يطمحون إلى التصالح مع هذا المنعدم غير الموجود ؟ و بعد أن أوهموا ذوى القتلى الذين ألقوا بهم إلى التهلكة أنهم لا يرضون بغير القصاص من قاتليهم بديلًا ـ و هم قاتلوهم الحقيقيون ـ يتفاوضون مع الدولة على العودة مقابل إغلاق ذلك الملف إلى الأبد .
و رغم أنهم مازالوا يعلنون تمسكهم بما أسموه ” شرعية مرسى ” فإنهم قد أظهروا كامل تأييدهم للفريق سامى عنان حين أبدى رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية رغم كامل تيقنهم أن ذلك لا يصح ـ قانونًا ـ إلا بالاعتراف بانحسار الشرعية عن مرسى و انتقالها إلى الرئيس الحالى الذى كان سيتنافس معه الفريق عنان على المنصب الرئاسي ، و ما زلوا يبحثون عن عنان آخر يتحالفون معه للوصول إلى السلطة بطريقٍ ناعمٍ ، و مازالوا يتاجرون بالدماء انتظارًا لأول صفقةٍ تسنح لهم فيتنصلون منها و يقايضون ـ بغير الحق ـ عليها .
تعثَّرَتْ عيناى بتعليقاتٍ تواترت كثيرًا مثل : ” و مازال التمحيص مستمرًا ” ، ” ليميز الخبيث من الطيب ” ، ” عد إلى الحق أو إلى رُشدك ” ، ” أنت مجنون ” ، إنهم يَصِمُّون آذانهم عن كل حديثٍ يتناول شأنًا من شئونهم و كأنهم قد أوتوا موثقًا من الله أنهم على الحق و مَنْ سواهم على الباطل ، فأى جنونٍ ذا الذى مس من يَصِمُ الجماعة المعصومة بعدم الكمال أو من يناقش زعماءها العالين الملهمين أصحاب البركات و الكرامات و المعجزات في أمرٍ قطعوه ، إنها الجماعة المنزهة عن اللغو و الخطأ و ناقدوها ـ على الدوام ـ مخطئون آثمون ، فإذا ما قضى أحدهم أجله أو حلَّ به مكروهٌ قال أتباع الجماعة إن الرب قد قصم ظهره انتقاما منه على ما قاله أو فعله بعشيرته و شعبه المختار .
و هكذا تبلورت فكرة معصومية الجماعة و قداسة كبرائها بحسبان أنها ـ فى نظرهم ـ جماعة الرب المصطفاة في الأرض ، و تنامى ـ كأثرٍ لذلك ـ فى نفوس أتباعها الاستعلاء و العنصرية ، فأضحى كل حديثٍ مسَّها مفترى و كل نقدٍ لها هراءٌ لا يُسمَع و لا يُرَى ، و من خلال فكرة المعصومية و القداسة هذى تَستحِل الجماعة ما تُحرِّمه على غيرها بغية تحقيق غاياتها و النيل من غرمائها سالكةً ـ في ذلك ـ سبل الحرام من كذبٍ و تدليسٍ و غشٍّ و خداعٍ و تشويهٍ لمنتقديها و سفكٍ للدماء و أكلٍّ للسحت و بَطْرٍ للحقِّ و غَمْطٍ للناس و اتجارٍ بالدين و الرقاب ، فمن كل حرامٍ لها فيه مخرجٌ لتحليله ، و كل حلالٍ لها فيه تصريفٌ لتحريمه ، وحيث تتقلب المصالح بين عشية و ضحاها يصبح حرام الأمس عندها حلالًا غدًا ، و حلال غدٍ حرامًا بعد الغد ، إنها الجاهزية المطلقة لجنىِ بلح الشام و قطف عنب اليمن في صفقةٍ واحدةٍ .